فصل: الفوائد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة النساء: الآيات 95- 96]:

{لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96)}

.اللغة:

غير أولى الضرر: أي أصحاب العاهات، من عمى أو عرج أو زمانة، ونحوها.

.الإعراب:

{لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} كلام مستأنف مسوق لبيان تفاوت طبقات المؤمنين بحسب التفاوت الحاصل بينهم في الجهاد، ولا نافية ويستوي فعل مضارع مرفوع، والضمة مقدرة على الياء، والقاعدون فاعله، ومن المؤمنين متعلقان بمحذوف حال من {القاعدون} ومن الضمير المستكنّ فيه {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} غير: بدل من {القاعدون}، ولم نجعلها صفة، لأن غيرا لا تتعرف بالإضافة، لإيغالها في التنكير، ولا يجوز اختلاف الصفة والموصوف. ولم يأبه الزمخشري لما تقرر في علم النحو، فجعلها صفة. ويجوز نصبها على الاستثناء، والأول أرجح كما هو مقرر في كتب النحو، لأن الكلام منفي، وقد قرئ به.
ويجوز جرها على أنها صفة للمؤمنين، وقد قرأها الأعمش بالجر أيضا. وسيأتي بحث عنها في باب الفوائد. وأولي الضرر مضاف اليه مجرور وعلامة جره الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، والمجاهدون عطف على {القاعدون}، وفي سبيل اللّه متعلقان بالمجاهدون، وبأموالهم متعلقان به أيضا، وأنفسهم عطف على {بأموالهم} {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً} الجملة مفسرة لا محل لها لعدم الاستواء بين الفريقين. وفضل اللّه فعل وفاعل، المجاهدين مفعول به منصوب بالياء وجملة فضل اللّه المجاهدين مفسرة لعدم الاستواء بين الفريقين، وبأموالهم جار ومجرور متعلقان بالمجاهدين وأنفسهم معطوفة على أموالهم، وعلى القاعدين متعلقان بفضل ودرجة مفعول مطلق لأنها آلة التفضيل ورفع المرتبة، فهو كقولك: ضربته سوطا. وأعربه بعضهم ظرفا، وليس ببعيد.
وأعربه آخرون حالا، وهو يحتاج عندئذ إلى تقدير مضاف، أي: ذوي درجة. وقال بعضهم: هو تمييز، ولا بأس بهذا القول.
وما ارتأيناه هو الأرجح {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى} الواو اعتراضية، وكلّا مفعول به مقدم لـ {وعد}، واللّه فاعل، والحسنى مفعول به ثان، والجملة لا محل لها لأنها اعتراضية {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} الواو عاطفة، والجملة عطف على ما تقدم، وأجرا مفعول مطلق لأنه مرادف لفضل، أو لأنه آلته، على حد قوله:
درجة وسوطا، وسيأتي مزيد بحث عنه في باب الفوائد. وعظيما صفة.
{دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً} درجات بدل من {أجرا} ومنه متعلقان بمحذوف صفة لدرجات، ومغفرة ورحمة عطف على درجات، ونصبهما الزمخشريّ على المفعولية المطلقة بإضمار فعلهما، بمعنى: وغفر لهم ورحمهم مغفرة ورحمة، ولعله أولى لمراعاة التناسب {وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} الواو استئنافية أو حالية، وكان واسمها، وغفورا رحيما خبراها، والجملة مستأنفة أو حالية.

.الفوائد:

ما يقوله ابن يعيش:
قال ابن يعيش عند كلامه على {غير أولي الضرر}: وقرئ بالرفع والجر والنصب، فالرفع على النعت للقاعدون، ولا يكون ارتفاعه على البدل في الاستثناء لأنه يصير التقدير فيه: لا يستوي إلا أولو الضرر، وليس المعنى على ذلك، إنما المعنى: لا يستوي القاعدون الأصحاء والمجاهدون. والجر على النعت للمؤمنين، والمعنى: لا يستوي القاعدون من المؤمنين الأصحاء والمجاهدون، والمعنى فيهما واحد. والنصب على الاستثناء.
النحاة بين البدلية والوصفية لغير:
هذا وقد ترجح النحاة في البدلية والوصفية لغير. فمن احتجّ للبدلية قال: إن جعل غير صفة يوجب التأويل، لأن غير لا تتعرف بالإضافة، ولا يجوز اختلاف النعت والمنعوت تعريفا وتنكيرا، وتأويله إما بأن القاعدون لما لم يكونوا بأعيانهم بل أريد بهم الجنس أشبهوا النكرة فوصفوا بها كما توصف، وإما بأن غير قد تتعرف إذا وقعت بين ضدين. ومن احتجّ للوصفية قال: لا يكون ارتفاعه على البدل في الاستثناء، لأنه يصير التقدير فيه: لا يستوي القاعدون الأصحاء والمجاهدون- كما قال ابن يعيش- وهذا من طرائفهم التي تدل على ألمعية وثقوب ذهن، فتأمل واللّه يرشدك.
رأي الزمخشري في اعراب أجرا:
قال الزمخشري: لم نصب درجة وأجرا ودرجات؟ قلت: نصب قوله درجة لوقوعها موقع المرّة من التفضيل، كأنه قيل: فضّلهم تفضيلة واحدة ونظيره قولك: ضربه سوطا، بمعنى: ضربه ضربة.
وأما أجرا فقد انتصب بفضل لأنه في معنى آجرهم أجرا ودرجات ورحمة بدل من أجرا ويجوز أن ينتصب درجات نصب درجة كما تقول:
ضربه أسواطا، بمعنى ضربات. كأنه قيل: وفضله تفضيلات. ونصب {أجرا عظيما} على أنه حال من النكرة التي هي {درجات} مقدمة عليها. وانتصب {مغفرة ورحمة} بإضمار فعلهما، بمعنى: وغفر لهم ورحمهم مغفرة ورحمة.

.[سورة النساء: الآيات 97- 99]:

{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيرًا (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99)}

.الإعراب:

{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ} كلام مستأنف لتقرير حال جماعة أسلموا ولم يهاجروا، فقتلوا يوم بدر مع الكفار، مع أن الهجرة كانت ركنا أو شرطا في الإسلام، ثم نسخ بعد الفتح. وإن واسمها، وجملة توفاهم الملائكة لا محل لها لأنها صلة الموصول، وأصل توفاهم: تتوفاهم، فحذفت إحدى التاءين حسب القاعدة المقررة، وأجاز ابن جرير وغيره أن تكون فعلا ماضيا مبنيا على الفتح المقدر. وليس ببعيد. والملائكة فاعل وظالمي أنفسهم حال. أما خبر إن فيجوز أن يكون محذوفا تقديره: إن الذين توفاهم الملائكة هلكوا، ويجوز أن يكون الخبر قوله: {قالوا فيم كنتم}؟ ويجوز أن يكون:
{فأولئك مأواهم جهنم}، ودخلت الفاء زائدة في الخبر تشبيها للموصول باسم الشرط {قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ} الضمير في قالوا يعود إلى الملائكة، والجملة إما خبر كما قدمنا وإما مستأنفة مبنية للجملة المحذوفة، وفيم: في حرف جر وما الاستفهامية في محل جر بفي، وحذفت ألفها لدخول حرف الجر عليها، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر كنتم المقدم، والجملة في محل نصب مقول القول {قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ} الضمير في قالوا يعود إلى الذين تتوفاهم الملائكة، وجملة القول مستأنفة، وجملة كنا مستضعفين في الأرض في محل نصب مقول القول، ومستضعفين خبر كنا، وفي الأرض متعلقان بمستضعفين {قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها} الضمير في قالوا يعود إلى الملائكة، والجملة مستأنفة، والهمزة للاستفهام الإنكاري للتبكيت، ولم حرف نفي وقلب وجزم، وتكن فعل مضارع ناقص مجزوم بلم، وأرض اللّه اسم تكن، وواسعة خبرها، والجملة في محل نصب مقول القول، والفاء فاء السببية، وتهاجروا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية والواو فاعل، وفيها متعلقان بتهاجروا {فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ} الفاء رابطة لما في الموصول من رائحة الشرط، وأولئك مبتدأ ومأواهم مبتدأ وجهنم خبر المبتدأ الثاني والجملة الاسمية خبر اسم الاشارة وجملة فأولئك إما خبر لإن الذين كما قدمنا وإما استئنافية.
{وَساءَتْ مَصِيرًا} الواو استئنافية أو حالية، وساءت فعل ماض للذم، ومصيرا تمييز، والمخصوص بالذم محذوف أي: جهنم {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ} إلا أداة استثناء والمستضعفين مستثنى منهم لضعفهم وعدم تمكنهم من الهجرة، فالاستثناء متصل، وقيل:
الاستثناء منقطع، لأن المستثنى منه إما كفارا وإما عصاة بالتخلف، وهم قادرون على الهجرة، فلم يندرج فيهم المستضعفون. ومن الرجال متعلقان بمحذوف حال، والنساء والولدان عطف على الرجال {لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} جملة لا يستطيعون صفة للمستضعفين، وجاز وصف المعرفة بالجملة وهي نكرة، لأن المعرفة هنا ليست لشيء معين بالذات، على حد قول الشاعر:
ولقد أمر على اللئيم يسبني ** فمضيت ثمّت قلت: لا يعنيني

وحيلة مفعول يستطيعون، وجملة ولا يهتدون عطف على جملة لا يستطيعون، وسبيلا مفعول يهتدون، أو منصوب بنزع الخافض، ولعله أقعد بالفصاحة، أي: إلى سبيل من السبل المختلفة {فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} الفاء الفصيحة لأنها وقعت في جواب شرط مقدر، والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم، أي إذا أردت أن تعرف مصيرهم فأولئك، وأولئك مبتدأ، وعسى فعل ماض جامد من أفعال الرجاء، واللّه اسم عسى، والمصدر المؤول خبرها، والجملة الفعلية خبر اسم الاشارة {وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} الواو حالية أو استئنافية، وكان واسمها، وعفوا غفورا خبراها.

.[سورة النساء: آية 100]:

{وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)}

.اللغة:

(المراغم) بضم الميم وفتح الغين المعجمة: المذهب والحصن والمضطرب، فهو اسم مكان، وعبّر به للإشعار بأن المهاجر يرغم أنف قومه أي: يذلهم، والرغم الذل والهوان، وأصله لصوق الأنف بالرّغام- بفتح الراء- وهو التراب، ورغم أنفه رغما من باب قتل:
كناية عن الذل، كأنه لصق بالرغام هوانا وذلّا. ويتعدى بالألف، فيقال: أرغم اللّه أنفه، وفعلته على رغم أنفه- بفتح الراء وضمها- أي: غاضبته، وهذا ترغيم له أي: إذلال. وهذا من الأمثال التي جرت في كلامهم بأسماء الأعضاء، ولا يراد أعيانها، بل وضعوها لمعان غير المعاني الظاهرة، ولا حظّ لظاهر الأسماء من طريق الحقيقة، ومنه قولهم: كلامه تحت قدمي، وحاجته خلف ظهري، يريدون الإهمال وعدم الاحتفال. وفي القاموس: الرغم: الكره،- ويثلث- كالمرغمة، ورغمه كعلمه ومنعه: كرهه.

.الإعراب:

{وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً} كلام مستأنف مسوق لبيان حال المهاجرين في سبيل اللّه. والواو استئنافية ومن اسم شرط جازم مبتدأ، ويهاجر فعل مضارع فعل الشرط، وفي سبيل اللّه متعلقان بيهاجر، ويجد فعل مضارع جواب الشرط، وفعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر من، ومراغما مفعول به، وكثيرا صفة، وسعة عطف على {مراغما}. {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} تقدم إعراب نظيرها، ومهاجرا حال والى اللّه ورسوله متعلقان بـ {مهاجرا} {ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} ثم حرف عطف، ويدركه عطف على يخرج، والهاء مفعول به، والموت فاعل يدركه، فقد الفاء رابطة لجواب الشرط، وقد حرف تحقيق، وجملة وقع أجره على اللّه في محل جزم جواب الشرط، وفعل الشرط وجوابه خبر من، وعلى اللّه متعلقان بوقع {وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} جملة مستأنفة وقد تقدم اعرابها.

.[سورة النساء: آية 101]:

{وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101)}

.الإعراب:

{وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ} كلام مستأنف مسوق لبيان أحكام قصر الصلاة. والواو استئنافية وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط، وجملة ضربتم في الأرض في محل جر بالإضافة، والفاء رابطة لجواب إذا وليس فعل ماض ناقص، وعليكم جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر ليس المقدم، وجناح اسمها المؤخر، والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} المصدر المؤول منصوب بنزع الخافض، أي: في قصر الصلاة والجار والمجرور صفة لجناح، ومن الصلاة متعلقان بتقصروا. وبحث القصر من الصلاة مبسوط في كتب الفقه {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} إن شرطية وخفتم فعل ماض وفاعل، وهو في محل جزم فعل الشرط، وأن وما في حيزها مصدر مؤول مفعول به لخفتم، والذين كفروا فاعل وجملة كفروا صلة وجملة الشرط مستأنفة وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله أي: فليس عليكم جناح أن تقصروا. {إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا} الجملة تعليل لما تقدم من إباحة القصر، وإن واسمها، وجملة كانوا خبرها، والواو اسم كان ولكم متعلقان بمحذوف حال، وعدوا خبر كان. ومبينا صفة.

.[سورة النساء: آية 102]:

{وإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذابًا مُهِينًا (102)}

.الإعراب:

{وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} الواو استئنافية، والكلام مستأنف للشروع في أحكام صلاة الخوف، والخطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم ولا حجة فيه لمن ذهب إلى أنه لا يرى صلاة الخوف بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، بل الخطاب شامل متناول لكل إمام.
ويجوز أن تكون الواو عاطفة، فيكون الكلام منسوقا على ما تقدم.
وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط، وجملة كنت في محل جر بالإضافة، والتاء اسم كان، وفيهم متعلقان بمحذوف خبر كنت، والضمير يعود على الضاربين في الأرض أو على الخائفين، وكلاهما محتمل. والفاء عاطفة، وأقمت فعل وفاعل، ولهم متعلقان بأقمت، والجملة معطوفة على جملة كنت، والصلاة مفعول به {فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} الفاء رابطة، واللام لام الأمر، وتقم فعل مضارع مجزوم بلام الأمر وطائفة فاعل ومنهم متعلقان بمحذوف صفة، ومعك ظرف مكان متعلق بتقم {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ}.
وليأخذوا عطف على فلتقم، وأسلحتهم مفعول به {فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ} تقدم إعراب نظيره، ومن ورائكم متعلقان بمحذوف خبر فليكونوا {وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} عطف أيضا، وجملة {لم يصلوا} صفة ثانية لطائفة، فليصلوا فعل مضارع وفاعله، ومعك ظرف مكان متعلق ب: فليصلوا {وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} عطف أيضا {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ} الجملة مستأنفة مسوقة للتأكيد على زيادة الحذر لظن العدو أن الصلاة مظنة لإلقاء السلاح. وود الذين فعل وفاعل وجملة كفروا صلة الموصول ولو مصدرية فهي موصول حرفي، وهي منسبكة مع ما بعدها بمصدر منصوب لأنه مفعول تود، وجملة تغفلون لا محل لها لأنها صلة الموصول الحرفي، وعن أسلحتكم متعلقان بتغفلون، وأمتعتكم عطف على أسلحتكم {فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً} الفاء عاطفة، ويميلون عطف على تغفلون، وعليكم متعلقان بيميلون، وميلة مفعول مطلق وواحدة صفة {وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ} الواو عاطفة، ولا نافية للجنس، وجناح اسمها، وعليكم متعلقان بمحذوف خبر لا، وإن شرطية وكان فعل ماض ناقص في محل جزم فعل الشرط، وبكم متعلقان بمحذوف خبر كان المقدم، وأذى اسمها المؤخر، ومن مطر متعلقان بمحذوف صفة لأذى، وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله، أي: فلا جناح عليكم {أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ} أو حرف عطف، وكنتم عطف على: كان بكم أذى، ومرضى خبر كنتم، وأن تضعوا مصدر مؤول منصوب بنزع الخافض، أي: في أن تضعوا، والجار والمجرور متعلقان بجناح أو بمحذوف صفة له.
وأسلحتكم مفعول به {وَخُذُوا حِذْرَكُمْ} عطف أيضا {إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذابًا مُهِينًا} إن واسمها، وجملة أعد للكافرين خبرها، وعذابا مفعول أعد، ومهينا صفة.

.البلاغة:

في الآية عطف الحقيقة على المجاز، وهو من البلاغة في ذروتها، ومن الفصاحة في سدّتها، فالأسلحة حقيقة، والحذر مجاز لأنه أراد به آلة من الآلات التي يستعملها الغازون في حروبهم، فلذلك جمع بينه وبين الأسلحة في الأخذ، جعلهما معا كالمأخوذين. ومن طريف هذا المجاز الذي استعمل مع الحقيقة قول أبي تمّام الطائي يصف ركبا:
وركب يساقون الركاب زجاجة ** من السير لم تقصد لها كفّ قاطب

والمجاز في قوله: زجاجة أي: شرابا في زجاجة. والمعنى يسكرون المطيّ بالتعب، فكأنهم سقوها شرابا لم تقصد له كف قاطب، أي: ليس على الحقيقة شرابا يناوله الساقي صاحبه بقصد. وهذا التناسب بين المجاز والحقيقة لا يسهل إدراكه إلا على أهل الطبع المرهف، والذوق المترف، فافهمه، وقس عليه، واللّه يعصمك.